منذ بضع سنوات، أؤدي تدريبًا منتظمًا على قطع صلتي بالعالَم الخارجي، لحرمان الذات من تطلّبٍ زائدٍ لا نهاية له، ولمّا كانت المهمة شاقةً تحت قيد الحيوانية الاجتماعية، فقد كان التدريب على العزلة والاستغناء، يتعرض أحيانًا لانتكاسات حادة، فتبدو فيه لياقتي النفسية -وتلك أيام صعبة- طبيعية، وعلى ما يُرام في صلتها بالعالَم الخارجي، إلا أنه لحسن الحظ، لا تستغرق تلك الانتكاسات الحيوانية الاجتماعية فترات طويلة، بل تكون دفعة إلى الأمام قوية، يعقبها خمود همة، وزهد في العالَم الخارجي يُشبه السعادة المُتَوَهَّمَة بفعل المخدرات، وعندئذ، وفي رحم الليل، يحفر الماضي كخلد أعمى بسنَّتيه الأماميتين شبكة أنفاق معقدة، تحت الأرض متاهة حجرات، يُخزِّن فيها مؤونة عيشه، وفي وضح النهار، بضوئه الباهر، وأثناء ساعات العمل، وعلى قشرة الحاضر الهشة، يسقط حفَّارو الأنفاق تباعًا، بخجلٍ من فضيحة نشاطهم الليلي